1 / 42

لطالبات الانتساب المدفوع

مادة ( النثر العباسي ). لطالبات الانتساب المدفوع. المملكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي جامعة أم القرى كلية الآداب والعلوم الإدارية. الفرقة : الثالثة (انتساب) القسم : اللغة العربية الفصل : الدراسي الأول اسم المقرر : النثر العباسي رقم المقرر : (3115) رمز المقرر : عربي

eithne
Download Presentation

لطالبات الانتساب المدفوع

An Image/Link below is provided (as is) to download presentation Download Policy: Content on the Website is provided to you AS IS for your information and personal use and may not be sold / licensed / shared on other websites without getting consent from its author. Content is provided to you AS IS for your information and personal use only. Download presentation by click this link. While downloading, if for some reason you are not able to download a presentation, the publisher may have deleted the file from their server. During download, if you can't get a presentation, the file might be deleted by the publisher.

E N D

Presentation Transcript


  1. مادة ( النثر العباسي ) لطالبات الانتساب المدفوع

  2. المملكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي جامعة أم القرى كلية الآداب والعلوم الإدارية الفرقة : الثالثة (انتساب) القسم : اللغة العربية الفصل : الدراسي الأول اسم المقرر : النثر العباسي رقم المقرر : (3115) رمز المقرر : عربي عدد الساعات : ثلاث ساعات

  3. أهداف المقرر : • الوقوف على خصائص النثر الفنية في هذا العصر وقيمته الاجتماعية • الوقوف على اتجاهات النثر وتطوره فكراً وأسلوباً • التعرف على أعلام الناثرين وجهودهم في استيعاب ثقافة العصر وانعكاس ذلك من خلال أدبهم • تنمية ملكة الذوق الأدبي لفهمهم النص الأدبي • محتوى المقرر : • عوامل ازدهار النثر في العصر العباسي • دراسة الفنون المختلفة ( الكتابة الفنية ، المقامات ، الخطابة ) • دراسة تفصيلية تكشف الظواهر والخصائص الفنية التي تغلب على النثر في هذا العصر • دراسة أعلام من مشاهير الكتاب مثل (ابن المقفع ، الجاحظ ، بديع الزمانن االهمذاني )

  4. مدارس الكتابة الغنية (1) مدرسة ( الترسل الطبيعي ) : رائدها : عبد الله بن المقفع ، زعيم الكتاب في عصره ، وأحد مخضرمي الدولتين .. وقد أشار ـ في وصاياه للكتاب ـ إلى طريقته الفنية في الكتابة ، يقول : ( ... وإياك والتتبع لوحشي الكلام ؛ طمعاً في نيل البلاغة ، فإن ذلك هو العي لأكبر ) كما يقول : ( عليك بما سهل من الألفاظ مع التجنب لألفاظ السفلة ) . وحينما سئل عن البلاغة قال : البلاغة اسم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة ، فمنها ما يكون في السكوت ، ومنها ما يكون في الاستماع ، ومنها ما يكون في الإشارة ، ومنها ما يكون في الحديث ، ومنها ما يكون جواباً ، ومنها ما يكون ابتداء ، ومنها ما يكون شعراً ، ومنها ما يكون سجعاً ، ومنها ما يكون رسائل ، فعامة ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها ، والإشارة إلى المعنى والإيجاز هو البلاغة .

  5. وقال أيضاً:(البلاغة هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها) ولن يظن الجاهل ذلك إلا إذا رأي كلاماً مألوفاً واضح المعنى سهل الألفاظ لا تعقيد فيه ولا إبهام،فإذا حاول عجز . وهذا هو (السهل الممتنع) كما يقولون. .... هذا هو المذهب الأدبي الذي أخذ به نفلسه ، ورسم به حدود بلاغته وبالتالي رسم حدود مدرسته ... ؛ فهذه المعالم التي أقامها ، وهذه الخطة التي اختطها ، هي التي قامت عليها بلاغة كثيرين ، ممن سحروا ببيانه ، وجالوا في ميدانه ... فما طابع هذه المدرسة ؟ ومن أشهر أعلامها ؟ وإلى أي حد سايروها في خصائصها الأدبية ؟ طابعها ..... قام أسلوب هذه المدرسة على (الترسل الطبيعي) وعماده الإنجاز والإرسال ، فلا سجع ولا ازدواج إلا ما جاء عفوا ، وإلا ما جاء في مجال (الحكم والأمثال) . لقد كان رائدها (يميل إلى إرسال الكلام دون تقيد بازدواج أو توازن فلا يخرج بذلك عن الأسلوب العام في القرن الأول ، كل هذا بلفظ سهل ، وأسلوب سلس ، متين الربط خال من المبالغات

  6. وفي تقرير ذلك والتعليل له يقول الدكتور شوقي ضيف : (فليس في أساليبه عناية بالأخيلة الدقيقة إلا ما جاء في كليلة ودمنة، وهو منقول عن الأصل، وكذلك ليس في أساليبه عناية بالسجع،ولا بهذا الترادف الصوتي .. وكأني به كان مشغولاً عن أن يحدث لنفسه أسلوباً له خصائص أدبية واضحة من إتباعات وأصوات ، أو من تشبيهات واستعارات إذ كان في شغل بالترجمة الدقيقة، وأن يؤدي ما يجدد في الأصل الذي يترجمه، لذلك خلت أساليبه جملة من حلية الصوت وحلية التصوير .. ون أين يأتيه ذلك وهو لا يفكر في الجمال المادي للأسلوب وإنما يفكر في الجمال المعنوي . وإذا كان ابن المقفع ملماً بالثقافتين الفارسية واليونانية ، عدا العربية فقط طبع أسلوبه بطابع العقليتين : السامية والآرية يوجز تارة ، ويطنب أخرى بحسب الظروف ومقتضيات الأحوال ، وإن كان إلى الايجاز أميل ، وتجلت في رسائله حكمة الهند وأمثالها ، وآداب الفرس ومواعظها ، كما تجلى في أسلوبه دقة المنطق اليوناني التي توقظ في القارئ فكره ولبه ، وتغذي عقله وقلبه .

  7. ولم يحفل بالسجع ولا بغيره من المحسنات ؛ لأن عنايته بتجويد المعنى كانت أكثر من احتفاله بجمال الألفاظ ... ومن ثم قامت (صنعته الفنية) على التروي في انتقائها ،والبراعة في اختيارها على قدّ المعاني وأجمل الألفاظ عنده وأبلغها ما كانت كذلك حتى أن القلم كان يتوقف بين أنامله، ولما سئل عن ذلك قال (إن الكلام يزدحم في صدري ، فيقف قلمي لتخيره ) لهذا كان يصطفي من الألفاظ أدقها تصويراً ، وأصدقها تعبيراً ولا يهمه بعد ذلك أن جاءت قوية جزلة أم سهلة لينة ، مسجوعة أم مرسلة ، موجزة أم مطنبة ، وهذا هو سر بلاغته ، أفصح عن ذلك بقوله : (... فلا يكمل لصناعة الكلام إلا من يكمل لصناعة المعنى ، وتصحيح اللفظ ، والمعرفة بوجوه يقول أبو العيناء : (كلامه صريح ، ولسانه فصيح ، وطبعه صحيح ، كأن بيانه لؤلؤ منثور) استمع إليه يقول في وصف صديق له : إني مخبرك عن صاحب لي كان من أعظم الناس في عيني ، وكان رأس ما عظمه في عيني ، صغر الدنيا في عينه ، كان خارجاً من سلطان فرجه ، فلا يدعو إليه ريبة ، ولا يستخف له رأياً ولا بدناً ، كان لا يأشر

  8. عند نعمه ، ولا يستكين عند مصيبة ، وكان خارجاً من سلطان لسانه ؛ فلا يتكلم بما لا يعلم ، ولا يماري فيما عدم ، وكان خارجاً من سلطان الجهالة ، فلا يتقدم أبداً إلا على ثقة بمنفعة ، وكان أكثر دهره صامتاً ، فإذا نطق بذّ القائلين ، وكان يُرَى ضعيفاً مستضعَفاً ، فإذا جدّ الجد فهو الليث عادياً ، وكان لا يدخل في دعوى ولا يشارك في مراء ، ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضياً فَهِماَ ، وشهوداً عدولاً ، وكان لا يلوم أحداً ، على ما قد يكون العذر في مثله ، حتى يعلم ما اعتذاره ، وكان لا يشكو وجعه إلا إلى من يرجو عنده البرء ، ولا يستشير صاحباً إلا من يرجو عنده النصيحة ، وكان لا يتبرّم ولا يتسخّط ولا يتشكى ، ولا يتشهى ، وكان لا ينقم على الولي ، ولا يغفل عن العدو ، ولا يخص نفسه دون إخوانه بشئ من اهتمامه وحيلته وقوته . فعليك بهذه الأخلاق إن أطقتها ـ ولن تطيق ـ ولكن أخذ القليل خير من ترك الجميع .

  9. أعلامها : جذب أسلوب ابن المقفع ـ رئيس هذه المدرسة ـ نحوه طائفة من الكتابة فذهبوا مذهبه ، ومن هؤلاء : عمارة بن حمزة ويحيى بن زياد ، وأبو نصر الرقاشي ، وبشر البلوي ، معاوية بن يسار ، وأبو الربيع محمد بن الليث ، ومطرف بن أبي مطرف . كتب عمارة بن حمزة على لسان المنصور ، إلى أحد أعماله في شأن ابن ما هان : ( .... وأمير المؤمنين لا ينكرُ قربَ الطاعة من المعصية ، قربَ بعضِ الأمور من بعض ، لسرعة تقلّب القلوب ، وإختلاف الحالات عند ميل الهوى ، ولا ينكرُ جري المقادير بغيب ذلك عن العباد ، واستئثار الله بعلم ما لم يأتهم إلا بغته ، بل قد علم أمير المؤمنين أن أقواماً في قلوبهم ضغائن دونها القدرُ يظهر أسرارهم ، ويخرج أضغانهم ، ثم يبلغ بغضه منهم ما لم يكون ذلك عنده عزيزاً ، ولم يكون بهم إمتناع ، غير أنه أنكر وأنعم أن نْعجَلَ إلى ابن ماهان .. ـ وإن كان محلا بارزاً ـ بأمر دون مؤامراته ، ويكره لك العجلة : فإنها موكًّل بها الندم .

  10. (2) مدرسة ( الترسل الصناعي) : تلك هي مدرسة (عبد الحميد الكاتب الذي طويت صحيفته ولم تطو طريقته ، وقد رأينا أنها تحوّل بارزة في تاريخ الكتابة ، فقد جنحت بهذا إلى حد مد إلى الإطناب بعد الإيجاز ، والازدواج ، بعد الإرسال ... فضلاً عن إطالة التحميدات بالازدواج . سارت هذه المدرسة جنباً لجنب مع مدرسة ابن المقفع ، غير أن روادها كانوا كثرة غالبة حتى زمن الجاحظ شيخ الكتّاب ، بل إن الجاحظ نفسه كان علماً من أعلامها ثم أنشعب عنها ـ بطريقته الجديدة التي ظلت وثيقة الصلة بهذه الجذور العميقة .... حملت هذه المدرسة لواء البيان في القرنين الأولين من الدولة ، ولم تستطيع مدرسة ابن المقفع أن تساميها ، أو أن تسايرها إلا مدة قرن من الزمان ، ويرجع ذلك إلى أمور : أن أسلوب ابن المقفع أسلوب مترجم حريص على المعنى، تعوزه الحيوية ، والروح الأدبية .... أما أسلوب عبد الحميد فأسلوب أديب بصير بمحاسن الطريقتين العربية والفارسية يجمع بين السجع والازدواج من غير تكلف ، ويستعين بالإطناب لإيضاح المعنى ، والإطناب من دواعي الحضارة .

  11. كانت بلاغة ابن المقفع على الحكم والأمثال تغذي العقل وتشبع الفكر أما بلاغة عبد الحميد فتغذي العاطفة وتثير الوجدان ، ومن ثم مال إليه الكثيرون ، وعلى أوتاره عزف البرامكة وغيرهم من الكتاب الموالي . وهناك مثلاً من الأسلوبين في غرضين متقاربين كتب عبد الحميد إلى أهله وهو منهزم مع مروان طالباً المعونة: (أما بعد. فإن الله تعالى جعل الدنيا محفوفة بالكره والشرور،فمن ساعده الحظ فيها سكن إليها،ومن عضّته بنابها ذمها ساخطاً عليها، وشكاها مستزيداً لها،وقد كانت أذاقتنا أفاويق استحليناها ثم جمحت بنا نافرة،ورمحتنا مولية،فملح عذبُها،وخشن لينها فأبعدتنا عن الأوطان، وفرقتنا عن الإخوان،فالدار نازحة،الطير بارحة،وقد كتبت والأيام تزيدنا منكم بعداً وإليكم وجداً،فإن تتم البلية إلى أقصى مدتها يكنن آخر العهد بكم وبنا،وإن جار نسأل الله الذي يعز من يشاء أن يهب لنا ولكن ألفة جامعة في دار آمنة،نجمع سلامة الأبدان والأديان،فإنه رب العالمين وأرحم الراحمين ..... وكتب ابن المقفع إلى صديق يستعين به على حوادث الدهر : (إن الناس لم يعدموا أن يطلبوا الحوائج إلى الخواص من الإخوان ، وأن

  12. يتوصلوا بالحقوق ، ويرغبوا إلى أهل المقامات ، ويتوسلوا إلى الأكفاء وأنت بحمد الله ونعمته من أهل الخير ، ممن أعان عليه ، وبذل لأهل ثقته المصافين ، وإن بذل النفوس فيه ، وإعطاء الرغيب ، ليس منك ببكر ولا طريف،بل هو تليد أتلده أولكم لآخركم،وأورثه أكابركم أصاغركم. ومن حاجتي (كذا) وأنت أحق من طلبت إليه ، واستعنته على حوادث الدهر ، وأنزلت به أمري ، لقرب نسبك ، وكريم حسبك ، ونباهتك وعلو منزلتك ، وجسيم طبائعك ،وعوام أياديك إلى عشيرتك وغيرها فليكن من رأيك ما حملتك من حاجتي على قدر قسم الله لك من فضله وما عودك من منه ، ووسع غيري من نعمائك وإحسانك ) . الموازنة : مهد ابن المقفع لطلبة بقياس منطقي صدَّر به رسالته ... متى صدقت مقدماته وتحققت ، وجب أن تتحقق نتيجته .. ألا تراه يقول لصاحبه مخاطباً عقله وفكره . ( أ ) إن الناس يطلبون الحوائج إلى أهل المقامات ... (ب) وأنت بحمد الله من أهل الخير فماذا بعد هذا إلا إجابة رغبته ، وتحقيق مطلبه ..... ؟

  13. إن أسلوبه مرسل موجز خال من السجع ،والازدواج فيه بقدر ومن ثم كان خافت الجرس ، فاتر الموسيقى . أما أسلوب عبد الحميد فمجمل بالسجع الطبيعي والازدواج العذب ، والتوازن القائم على تعادل الفقرات ... تلذ القارئ باستواء تقاسيمها والسامع بوزنها وجرسها،فالسجع واضح بين الكلمات:(إخوان وأوطان ونازحة وبارحة ، وبعداً ووجداً ، وإسار وجار ، وأبدان وأوطان ...... ) . كما أنه مجمل أيضاً ( بالحال ) والتكملة المتطابقة بالجار والمجرور وعلى النحو الأول جاءت الكلمات ساخطاً ـ مستزيداً ـ نافرةً ـ موليةً ـ وكذلك الجمل : تعالى ، والأيام تزيدنا ..... والذل شرجار . وعلى الثاني جاءت العبارات: سكن إليها،ساخطاً عليها،مستزيداً لها، الأيام تزيدنا منكم بُعداً،وإليكم وجْداً،يكن آخر العهد بنا وبكم، يهب لنا ولكم . أعلامها : ذكر ابن النديم أن المترسلين أخذوا عن عبد الحميد ، ولطريقته لزموا ، وهذا قول له دلالته ، يؤيد ما ذهبنا إليه من رجحان كفته كفة ابن المقفع .

  14. والواقع أن أساليب الرسائل في العصر العباسي الأول كانت دفعة بعيدة المدى لطريقة عبد الحميد ، وأن شخصيته الأصيلة لتتراءى بمعالمها الواضحة من خلال هذه الرسائل التي سالت بها الأقلام : في الديوان وخارجه ، نلمح ذلك جلياً في رسائل : يوسف بن القاسم بن صبيح ، وغسان بن عبد الحميد ، وابن سيابة ، والبرامكة : يحيى ، والفضل وجعفر ، وأنس بن أبي شيخ ، وأحمد بن يوسف والفضل ين سهل ، وإبراهيم بن إسماعيل بن داود الكاتب ، والعتابي ، وعمرو ابن مسعدة ، وابن عبد الملك الزيات وإبراهيم الصولي .

  15. (3) مدرسة التحليل والتفريع والاستطراد : تلك هي مدرسة (الجاحظ) التي حملت لواء البيان عبر القرون،منذ أواخر القرن الهجري الثاني . ولم تستطع المدارس التالية ـ بتياراتها الجديدة ـ أن تطغى عليها أو تطوي صفحتها،بل كانت تسايرها زمناً وتكاد تغمرها ثم تنحسر عنها . حتى في عصرنا الحاضر ـ الذي مل السجع وألغاز البديع، وساد فيه الأسلوب المرسل ـ لم تتوقف لها موجة،ولم ينقطع لها تيار،تلمحها في التوازن والازدواج عند الرافعي والزيات . والترديد والكرار عند طه حسين،والتحليل والتعليل عند العقاد،والفكاهة والسخرية عند الشيخ عبد العزيز البشري،وقد يطول بنا الحديث هنا لو استطردنا في القول استطراد الجاحظ،فلنكتف بهذه الإشارة لنصل من الحديث ما انقطع : طابعها ......... استمدت هذه المدرسة أسلوبها من رافدين زاخرين طريقة عبد الحميد القائمة على الإطناب والازدواج . طريقة سهل بن هرون ، القائمة على التحليل والتعليل والجدل والحوار جمع الجاحظ في طريقته بين هاتين،وزاد على الأولى حسن التقسيم وجمال الإيقاع والتقصي وكثرة الاستطراد،وزاد على الثانية جانب الفكاهة

  16. الساخرة وتوليد المعاني ، ثم أوغل في كل هذا بقوة حتى كان في إيقاعه أوقع ، وفي ازدواجه أمتع ، وفي تحليله أدق وأبرع ، كما كان لبقاً في حواره ، قوي اللدد في جداله ، مريراً في تهكمه ، يسيل رقة في طرائفه ونوادره . وبكل هذا طبعت هذه الطريقة التي عرف بها الجاحظ والتي ظهرت وبرهت ، وذاعت وشاعت وطغت على غيرها من الطرائق . أما العبارة فكانت مينة السبك ، جزلة الألفاظ ، محكمة الربط وثيقة الحلقات وربما كان من العسير ـ في بعض عبارات الجاحظ ـ أن ننزع لفظاً من موضعه أو تستبدل به غيره من ذوي قرابته ، أو تقدمه على ما أخره ؛ لأنه كان يرى لكل معنى لفظاً خاصاً لا ثاني له ،ولا مناص منه لمن طلب البلاغة ،.... لقد أفصح عن ذلك بقوله :

  17. الساخرة وتوليد المعاني ، ثم أوغل في كل هذا بقوة حتى كان في إيقاعه أوقع ، وفي ازدواجه أمتع ، وفي تحليله أدق وأبرع ، كما كان لبقاً في حواره ، قوي اللدد في جداله ، مريراً في تهكمه ، يسيل رقة في طرائفه ونوادره . وبكل هذا طبعت هذه الطريقة التي عرف بها الجاحظ والتي ظهرت وبرهت ، وذاعت وشاعت وطغت على غيرها من الطرائق . أما العبارة فكانت مينة السبك ، جزلة الألفاظ ، محكمة الربط وثيقة الحلقات وربما كان من العسير ـ في بعض عبارات الجاحظ ـ أن ننزع لفظاً من موضعه أو تستبدل به غيره من ذوي قرابته ، أو تقدمه على ما أخره ؛ لأنه كان يرى لكل معنى لفظاً خاصاً لا ثاني له ،ولا مناص منه لمن طلب البلاغة ،.... لقد أفصح عن ذلك بقوله : (ومتى شاكل ـ أبقاك الله ـ ذلك معناه ، وأعرب عن فحواه ، وكان لتلك الحال وفقاً ، ولذلك القدر لفقاً ، وخرج عن سماجة الاستكراه ، وسلم من فساد التكليف ، كان قمينا بحسن الموقع وبانتفاع المتسمع . ولا تزال القلوب به معمورة ، والصدور به مأهولة . ومتى كان اللفظ أيضاً كريماً في نفسه ، متخّيراً في جنسه ، وكان

  18. سليماً من الفضول ، بريئاً من التعقيد ، حبب إلى النفوس ، واتصل بالأذهان ، والتحم بالعقول ، وهشت إليه الاستماع ، وارتاحت إليه القلوب ، وخف على ألسن الرواة وشاع في الآفاق ذكره ، وعظم في الناس خطره . ويبدو أن كان يرى البلاغة في حسن الألفاظ ومن ثم كان يدعو إلى الدقة في اختيارها والتروي في انتقائها ، ويذكرنا بموعظة أحد الأدباء . (إن المعنى إذا اكتسى لفظاً حسناً ، وأعاره البليغ مخرجاً سهلاً ، ومنحه المتكلم دلا متعشقاً ، صار في قلبك أحلى ، ولصدرك أملا ، والمعاني إذا كسيت الألفاظ الكريمة ، وألبست الأوصاف الرفيعة ، تحولت في العيون من مقادير صورها ، وأربت عن حقائق أقدارها بقدر ما زينت ، وحسب ما زخرفت ، فقط صارت الألفاظ في معاني المعارض ، وصارت المعاني في معنى الجواري . وإذ كان الجاحظ من أئمة المعتزلة الذين تسلحوا بالفلسفة اليونانية واصطنعوا أساليبها في الرد على خصومهم فمن الطبيعة أن يعتمد في أسلوبه على التحليل والتعليل وتوليد المعاني وغير ذلك مما يمكن له في المحاورة وقوة اللدد دفاعاً وهجوماً .

  19. وبهذه الخصائص انفردت مدرسة الجاحظ الأدبية ، وتميزت من سائر الأساليب . وإذا كان سهل بن هرون هو واضع حجرها الأساسي فإن الجاحظ هو الذي رفع القواعد وأعلى البناء . أعلامها : لا شك أن سهل بن هرون كان أول رائد لهذه المدرسة ، بما مهد لها من طرق ، واختط لها من نظم . فلما فرعه الجاحظ انتقلت من يده الريادة واستقرت في قلم أبي عثمان ... وهذا سهل نفسه يعترف ببلاغته ويقر له بهذه المكانة بقوله : (إذا ثبت الجاحظ في الديوان أفل نجم الكتاب ) وعلى أي حال فإن ابن هرون كان (علماً بارزاً من أعلام هذه المدرسة رائداً ومرتاداً كما سنرى )

  20. تطور النثر وفنونه تطور النثر : كان العصر العباسي الأول عصراً خطيراً حقاً في تطور النثر العربي ، إذ تحولت إليه الثقافات اليونانية والفارسية والهندية وكل معارف الشعوب التي أظلتها الدولة العباسية ،بحيث تدخَّل جميع ذلك في تركيبة وائتلف مع نسيجه ، وتولد منه جديد تلْوَ جديد.... وتم التحويل عن طريقين : طريق النقل والترجمة: وهو طريق عُنى به الخلفاء العباسيون ـ ووزراؤهم وخاصة البرامكة ـ إلى أبعد حد ممكن ، كما عني به أفراد مختلفون مثل ابن المقفع ، وآل نوبخت . طريق ثان لعله كان أوسع مجرى: وهو تعرب شعوب الشرق الأوسط وانتقالهم إلى العربية بكل ما ورثوه وثقفوه من فنون المعرفة ، ولم ينتقلوا بمعارفهن فقط ، بل انتقلوا بعاداتهم وتقاليدهم وطرائقهم في المعيشة مما هيأ لتفاعل واسع بين العرب والشعوب المستعربة ، بل مما هيأ لظهور المدنية العربية في تلك الأقاليم التي دانت بالإسلام ، وهي مدنية قوامها مزيج من التعليم الإسلامية الروحية والخلقية ومن الأدب العربي بشعره ونثره ومن صور الحياة العقلية والمادية في المحيط العربي الجديد .

  21. ولم تقف المسألة عند احتفاظها بالقوالب العربية وأوضاعها اللغوية وتيسير هذه القوالب والأوضاع وتذليلها للمعاني العلمية والفلسفية العميقة وأدائها بخفيات حدودها ورَسْمها رسماً محدداً دقيقاً بل امتدت إلى استحداث أسلوب مولد جديد،أسلوب يحتفظ للغة بكل مقوماتها، كما يحتفظ بالموضوع والتجافي عن الألفاظ الغامضة والمعاني المبهمة ، بل إنه ليحرص على الأداء البليغ ،بحيث يروق المتكلم والكاتب والمترجم والسامع بعذوبة منطقة ، بل بحيث يَلَذُّ الآذان حي تستمع إليه كما يلذ العقول والقلوب . وابن المقفع يذكر كل فنون الكلام ويطلب فيها الإيجاز والتركيز الدقيق ويلتفت إلى خطب المحفل والصلح ويطلب فيها الإطناب في غير خطل ولا إملال،ويضع قاعدة مهمة أن يكون في صدر الكلام ما يدل على غرضه،وهو ما سماه البلاغيون،فيما بعدُ باسم براعة الاستهلال كما يضع للشعر قاعدة ثانية هي أن يتلاءم صدر البيت مع قافيته حتى لكأنه يستدعيها استدعاء وهو ما سماه البلاغيون باسم رَدّ الأعجاز على الصدر، ويلاحظ ملاحظة تامة أن لكل من الإيجاز والإطناب في الكلام مقامه وأنه ينبغي دائماً أن يستوفى الكلام حقوقه من النصاب والبلاغة والبيان

  22. وكل ذلك معناه أن النثر تهيأت له أسباب كثيرة في هذا العصر لكي ينمو ويزدهر ، فقط أحذ يمتدُّ ليستوعب العلوم والفلسفة ، كما يستوعب مادة عقلية عميقة حتى في المجال الأدبي ، إذ أخذت تَغْذوه آداب الفرس السياسية والاجتماعية ، كما أخذت تغذوه الثقافات الأجنبية وكل ما اتصل بها من الفكر اليوناني ، ومضى يتفائل مع ذلك كله محتفظاً بمقوماته وطوابعه العربية الأصيلة ، بحيث لم يحدث أيُّ ازدواج في اللغة يعرِّضها للضياع ، بل لقد أينعت الفروع الجديدة في شجرتها الكبيرة ، وأخذت تتكوَّن فيها أزهار ذاكية الشّذَى وثمار حلوة يانعة بفضل كبار الكتاب والمترجمين والمتكلمين الذين احتفظوا لها بأصولها وأوضاعها وأغنوها ونمّوْها حتى في مجال الأساليب الخالصة ، إذ عرفوا كيف يستخلصون رحيقها البلاغي الذي يغذَّى العقول ويَشْفى القلوب والأفئدة . الخطب والوعظ والقَصَص : نشطت الخطابة السياسية في مطلع هذا العصر ، إذ اتخذتها الثورة العباسية أداتها في بيان حق العباسيين في الحكم ، وكانوا يحسُّون منذ أول الأمر بأن أبناء عمهم العلويين يضطغنون عليهم استئثارهم بالخلافة من دونهم ، فمضوا يؤكدون في خطابتهم أنهم أصحاب هذا الحق ، فهم الذين أدالوا للشعب من بني أمية وهم

  23. الذين قوَّضوا حكمهم وحطمَوه حَطْما ، وقد انهالوا عليهم بالتجريح والطعن العنيف ، على نحو ما يتضح في خطبة أبي العباس السفاح حين بويع بالخلافة في الكوفة ، وفيها نراه يتحدث عن رّحمِهم وقرابتهم للرسول  تالياً من القرآن الحكيم بعض الآيات الخاصة بأهل بيت النبوة من مثل (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرِّجِّس أهلَ البيت ويطهركم تطهيراً ) ، وما يلبث أن يعرض للسبئية الضُّلاَّل أن غيرنا أحقُّ بالرياسة والخلافة منا ، فشاهت وجوههم ، بِمَ ولِمَ أيها الناس ، وبنا هَدَى الله الناس بعد ضلالتهم وبصَّرهم بعد جهالتهم وأنقذهم بعد هلكتهم . وجمع الفرق حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبِرّ ) . ويتحدث عن الأموريين وظلمهم للرعية وكيف تداركها الله بهم وردَّ عليها حقوقها المسلوبة , وخطب عمه داود بن على بنفس اللحن ، ويشيد الجاحظ ببيانه وفصاحته قائلا إنه (كان أنطق الناس وأجودهم ارتجالا واقتضابا للقول . وله كلام كثير معروف محفوظ ) ,ويروي من ذلك خطبته في أهل مكة حين وليها لابن أخيه ، وهي تمضي على هذا النمط :

  24. ( شكراً شكراً . أما والله ما خرجنا لنَحْتقر فيكم نهراً ولا لنبني قصراً ، أظن َّ عدوُّ الله أن لن نظفر به إذ أرْخىَِ له في ذمامه ، حتى عثر في فَضْل خِطامه ، فالآن عاد الأمر في نصابه ، وطلعت الشمس من مطلعها ، والآن أخذ القوسَ باريها ، وعادت النَّبْلُ إلى النَّزَعة ، ورجع الحق إلى مستقره في أهل بيت نبيكم : أهل بيت الرأفة والرحمة ) وكان هؤلاء الوعاظ يستمدون دائماً من الذكر الحكيم وأحاديث الرسول الكريم وأقوال أصحابه ومن سبقوهم إلى الوعظ في العصر الأموي من مثل الحسن البصري ، ودائماً تبهرنا مواعظهم لما أشاعوا فيها من إيمان شديد بالدين وثقة وطيدة بأن ما عند الله خير وأبقى مما في أيدي الناس من متاع الحياة الزائل . وكثير من الوعَّاظ كانوا يمزجون وعظهم بالقصص الديني وتفسير بعض آي القرآن ، وهو مزج قديم منذ الصدر الأول للإسلام . وكثر هؤلاء القصاص الوعاظ في عصر نبي أمية مما جعل الجاحظ يعقد لهم فصلاً طريفاً في كتابه البيان والتبيان ، وفيه يقول عن قُصَّاص العصر الأول :

  25. ( ومن القُصَّاص موسى بن سيارالأُسْواري وكان من أعاجيب الدنيا ، كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية ، وكان يجلس في مجلسه المشهور به ، فتقعد العرب عن يمينه والفُرْس عن يساره ، فيقرأ الآية من كتاب الله ويفسرها للعرب العربية ، ثم يحول وجه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية ، فلا يُدْرَى بأي لسان هو أبين . واللغتان إذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منهما الضَّيْم على صاحبتها إلا ما ذكرنا من لسان موسى بن سيارالأُسْواري ثم عثمان بن سعيد بن أسعد ثم يونس النحوي ثم المعلًّى ، ثم قصَّ في مسجده أبو على الأسواريّ وهو عمر بن فائد ستا وثلاثين سنة ، فابتدأ لهم في تفسير سورة البقرة ، فما ختم القرآن حتى مات ، لأنه كان حافظاً للسير ولوجوه التأويلات ، فكان ربما فسَّّر آية واحدة في عدة أسابيع ، وكان هو يحفظ مما يجوز أن يلحق في ذلك من الأحاديث كثيراً ، وكان يقصُّ في فنون من القصص ويجعل للقرآن نصيباً من ذلك . ثم قصَّ بعده القاسم بن يحيى ، وهو أبو العباس الضرير ، لم يُدْرَك في القُصَّاص مثله وكان يقصّ معهما وبعدهما مالك بن عبد الحميد المكفوف. فأما صالح المُرِّي فكان يُكْنَى أبا بشر وكان

  26. صحيح الكلام رقيق المجلس ، وسمعه سفيان بن حبيب (أحد كبار المحدثين ) فقال ليس هذا قاصًّا ، هذا نذير ) . ووقف الجاحظ في بيانه مراراً عند صالح المُرِّى حاكياً بعض كلامه ، أو بعض ما كان يردِّده من شعر في قصصه ، ومن ذلك قوله عنه : (كان صالح المرى القاص العابد البليغ كثيراً ما يُنشْد في قصصه وفي مواعظه هذا البيت الذي أنشدناه في غير هذا الموضع : فبات يُروِّى أصولَ الفَسِيلِفعاش الفَسِيلُ ومات الرَّجُلْ ومن ذلك ما يُذكْرُ من أنه مات ابنُ لعبيد الله بن الحسن قاضي البصرة ، فعزَّاه صالح المرى، فقال : ( إن كانت مصيبتك في ابنك أحدثتْ لك عظة في نفسك ، فنعم المصيبة مصيبتك ، وإن لم تكن أحدثتْ لك عظة في نفسك فمصيبتك في نفسك أعظم من مصيبتك في ابنك ) وعزَّى رجلاً في أخيه فقال : ( إن تكن مصيبتك في أخيك أحدثتْ لك خَشْيَةً فنعم المصيبة مصيبتك ، وإن تكون مصيبتك في نفسك أعظم من مصيبتك بأخيك أحدثت لك جَزَعاً فبئس المصيبة مصيبتك ) . ويذكر الجاحظ أنه كان كثيراً ما يردد في مجلسه : ( أعوذ بك من الحَسْف والمَسْخ والرَّجفَة

  27. والزلزْلة والصاعقة والريح المهلكة ، وأعوذ بك من جَهْد البلاء ومن شماتة الأعداء) ،وكان يقول : (أعوذ بك من التَّعب والتعذر والخَيْبة وسوء المنقلب ، اللهم من أرادني بخير فيَسِّرْ لي خيره ، ومَنْ أرادني بشر فاكفْنِى شَرَّه ، اللهم إني أسألك خِصْب الرَّحْل ، وصلاح الأهل) وروى الجاحظ من بعض وعظه في كتابه الحيوان قوله : (تَغْدو الطير خِماصاً وتروح شِباعاً ، واثقةً بأن لها في كل غدوة رزقاً لا يفوتها ، والذي نفسي بيده أن لو غدوتم على أسواقكم على مثل إخلاصها لرُحْتم وبطونكم أبْطَن من بطون الحوامل. وواضح مما روينا من كلام صالح المُرِّىّ وغيره من القُصِّاص والوعاظ أنهم ارتقوا بصناعة النثر في المعاني التي كانوا يرددونها رقياً بعيداً ، إذ شعَّبوا وفرَّعوا في تلك المعاني طويلاً ، واستنبطوا فيها كثيراً من الدقائق التي تمس القلوب والعقول . وأضافوا إلى ذلك عناية واسعة بأساليبهم ، وهي عناية تقوم على الدقة في اختيار اللفظ والإحساس المرهف بجمال السبك والصياغة ، وأدَّاهم ذلك في بعض الأحيان إلى استخدام السجع ، بل كان منهم من أكثر من استخدامه مثل الفضل ابن عيسى الرقاشي . وفيه يقول الجاحظ كان سجَّاعاً في قصصه ، وكان من أخطب الناس

  28. وكان متكلماً قاصًّا مجيداً ، ويروى من وعظه : (سَلِ الأرض فقل من شقَّ أنهارك وغرس أشجارك ، فإن لم تُجبْك حواراً ، أجابتك اعتباراً ) ويقول الجاحظ : (كان يتلو الآية التي فيها ذكر الجنة والنار والموت والحشر) ثم يفيض في الوعظ . وكان ابنه عبد الصمد قاصًّا مثله ،وكان أغزر منه وأبين وأعجب وأخطب ، وقيل له : (لِم تؤثر السجع على المنثور وتلزم نفسك القوافي (أي روىّ الأسجاع) وإقامة الوزن ؟ قال : إن كلامي لو كنت لا آمل فيه إلا سماع المشاهد لقلَّ خلافي عليك ، ولكني أريد الغائب والحاضر والراهن والغابر ، فالحفظ إليه أسرع ، والآذان لسماعه أنشط ، وهو أحق بالتقييد وبقلة التفَلُّت ) . المناظرات : قلما عُنى مؤرخو الأدب العباسي بالحديث عن المناظرات التي احتدمت بين المتكلمين والفقهاء وأصحاب الملل والنحل لهذا العصر مع أنها كانت من أهم الفنون النثرية ، وكانت تشغل الناس على اختلاف طبقاتهم ، لسبب بسيط وهو أنها كثيراً ما كانت تنعقد في المساجد ، وقد مرَّ بنا أن مجالس البرامكة والمأمون كانت تكتظ بهذه المناظرات ،وأنه كان وراء

  29. مجالسهما مجالس صغرى كثيرة ، يجتمع فيها المتناظرون من الشيعة والزنادقة والمتكلمين ، ويتحاورون في المسائل العقيدية وغير العقيدية ، وقد يخوضون في بعض المسائل الفلسفية ، على نحو ما كانت تخوض مجالس البرامكة ، وبالمثل كان يتناظر الفقهاء ، ومناظرة الشافعي ومحمد بن الحسن الشيباني مشهورة . والمعتزلةُ أهم طوائف المتناظرين حينئذ ، فقد وقفوا أنفسهم على جدال طوائف المتكلمين من مخالفيهم في أصولهم الخمسة التي تحدثنا عنها في غير هذا الموضع وجدال من كانوا يعتنقون التشيع الغالي مثل شيطان الطاق وهشام بن الحكم وجادلوا جدالاً عنيفاً أرباب الملل السماوية والنحل غير السماوية من الدهريةوالمانوية ، ومن أشهرهم في الجدال والمناظرة أبو الهذيل العلاف المتوفى في حوالي سنة (320) للهجرة ، وفيه يقول ابن خلكان : (كان حسن الجدال قوي الحجة كثير الاستعمال للأدلة والإلزامات) . وروى الخطيب البغدادي والمرتضى في أماليه وبعض المراجع القديمة طائفة من مناظراته . من ذلك مناظرته في حداثته ليهودي وَرَد البصرة ، وتعرَّض لمتكلميها يقول لهم ألا تقرَّون بنبوة موسى عليه السلام؟

  30. حتى إذا اعترفوا بها قال : نحن على ما اتفقنا عليه إلى أن نجتمع على ما تدَّعونه . فتقدم إليه ، وقال له : أسألك أم تسألني ؟ فقال له اليهودي : بل أسألك فقال : ذاك إليك، فقال اليهودي : أتعترف بأن موسى نبّي صادق أم تنكر ذلك فتخالف صاحبك ، فقال له أبو الهذيل : إن كان موسى الذي تسألني عنه هو الذي بشَّر بنبيِّ عليه السلام وشهد بنبوته وصدَّقه فهو نبي صادق ، وإن كان غير من وصفتَ فذلك شيطان لا أعترف بنبوته . فورد على اليهودي ما لم يكن في حسبانه . ولم يلبث أن سأل أبا الهذيل : أتقول إن التوراة حق ؟ فقال : هذه المسألة تجري مجرى الأولى ، إن كانت هذه التوراة التي تسألني عنها هي التي تتضمن البشارة بنبي عليه السلام فتلك حق ، وإن لم تكن كذلك فليست بحق ولا أفرُّ بها . فبهُت اليهودي وأفْحم ولم يدر ما يقول . وناظر يوماً مجوسيًّا فسأله ما تقول في النار ؟ قال : بنت الله ، قال فالبقر ؟ قال : ملائكة الله قَصَّ أجنحتها وحَطَّها إلى الأرض يُحْرثُ عليها ، قال : فالماء ؟ قال : نور الله ، قال أبو الهذيل فما الجوع والعطش ؟ قال : فَقْر الشيطان وفاقته ، قال أبو الهذيل : فمن يحمل الأرض ؟ قال: بهمن الملك . حينئذ قال أبو الهذيل : فمن يحمل الأرض ؟ قال

  31. بهمن الملك. حينئذ قال أبو الهذيل: فما في الدنيا شر من المجوس أخذوا ملائكة الله فذبحوها ، ثم غسلوها بنور الله ثم شَوَوَْها ببنت الله،ثم دفعوها إلى فقر الشيطان وفاقته، ثم سلخوها على رأس بهمن الملك أعز ملائكة الله . فانقطع المجوسي وخجل مما لزمه . وقال له المعذَّل بن غيلان يوماً إن في نفسي شيئاً من القول بالاستطاعة وأن الإنسان حُرُّ حرية مطلقة في أعماله فبَيِّن لي ما يُذهب الريب عني ،فقال له : خبِّرني عن قول الله تعالى:{وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون}هل يخلو من أن يكون أكذبهم لأنهم مستطيعون الخروج وهو تاركون له،فلاستطاعة الخروج فيهم ولبسوا يخرجون قال(إنهم لكاذبون)،أي هم يستطيعون الخروج وهم يكذبون فيقولون: لسنا نستطيع، ولو استطعنا لخرجنا، فأكذبهم الله على هذا الوجه .أو يكون على وجه آخر يقول:(إنهم لكاذبون) أي إن أعطيتهم الاستطاعة لم يخرجوا، فتكون معهم الاستطاعة على الخروج ولا يخرجون,وعلى كل حال قد كانت الاستطاعة على الخروج ثابته لهم،ولا يعقل للآية معنى ثالث غير الوجهين اللذين وصفنا،وبذلك أقام الحجة القاطعة على الاستطاعة من لفظ القرآن

  32. الكريم ، حتى ينقض ما يستشهد به أصحاب الجبر وتعطيل إرادة الإنسان وحريته من بعض آيه التي لا تعطيهم الدلالة البينة الملزمة . وكان يتعمق ببعض مناظراته في مسائل فلسفية كقوله إن حركات أهل الجنة والنار لا تبقي بل تنقلب إلى سكون دائم ، تجتمع فيه اللذات لأهل الجنة ويجتمع العذاب لأهل النار ، إلى غير ذلك من الآراء المبسوطة في الملل والنحل للشهر ستاني وفي مقالات الإسلاميين للأشعري . الرسائل الديوانية والعهود والوصايا والتوقيعات : هناك تعقد الدواوين في هذا العصر وتنوعها ، فدواوين للخراج ودواوين للنفقات ودواوين للجيش ،ودواوين لغربيها ، ولكل ولاية ديوان ،وفق هذه الدواوين ما يسمّى ديوان الزمام الذي ينظر في ضبط كل ديوان على حدة ، وبجانب هذه الدواوين العامة في بغداد دواوين في الولايات للخراج والرسائل ودواوين أخرى لأولياء العهد وللأمراء وللوزراء وكبار القواد ، ومَنْ لم يتخذ من هؤلاء ديواناً كبيراً كان له كاتبُ يكتب عنه وينظر في تدبير أمواله ونفقاته وضياعه ، وحتى نساء الخلفاء كن يتخذْن الكتاب ، وكذلك كان يتخذهم بعض القضاة والعلماء للكتابة عنهم .

  33. وبذلك نشطة الكتابة في هذا العصر نشاطاً واسعاً ، فقد توفر عليها مئات من أصحاب الأقلام يحدوهم في ذلك ما كانت تدرُّه عليهم من أرزاق واسعة . وكان مَنْ يُظْهر منهم مهارة في دواوين الخلافة سرعان ما يرقى إلى رياسة الديوان الذي يعمل فيه , قد تُقْبل عليه الدنيا فيصبح رئيساً لمجموعة من الدواوين ، وقد يصبح وزيراً للخليفة يسوس الدولة ويدبر أمورها وشئونها ، فإن لم يصبح وزيراً أصبح والياً لإقليم من الأقاليم مثل الحسن بن البحباحالبلخي الذي كتب للمهدي والهادي والبرامكة ، وقد ولى مصر في عصر الهادي والأمين ، ومثل الحسن بن رجاء كاتب المأمون الذي ولى فارس ومثل عمر بن مهران كاتب الخيزران أم الرشيد ، وقد ولاه مصر في بعض السنين ، وكثير من الولاة والقواد كانوا يحسنون الكتابة إلى أبعد غاية مثل جعفر بن محمد بن الأشعث والي خراسان للرشيد ، ومثل طاهر بن الحسين قائد المأمون وواليه على خراسان وابنه عبد الله بن طاهر والي مصر والشام والجزيرة ، ثم والي خراسان ، ومثل أبي دلف العجلي قائد المأمون المشهور . ولم نتحدث حتى الآن عن التوقيعات ،وهي عبارات موجزة بليغة ، تعودَّ ملوك الفرس ووزراؤهم أن يوقِّعوا بها على ما يقدَّم إليهم من تظلمات الأفراد في

  34. الرعية وشكاواهم ، وحاكاهم خلفاء بني العباس ووزراؤهم في هذا الصنيع ، وكانت تشيع في الناس ويكتبها الكتَّاب ويتحفظونها، وقد سموا الشكاوي والظلامات بالقصص لما تحكي من قصة الشاكي وظلامته وسموها بالرقاع تشبيها لها برقاع الثياب . ودارت في الكتب الأدبية توقيعات كثيرة أُثرت لكل خليفة عباسي وكل وزير خطير من ذلك توقيع السفاح في كتاب جماعة من بطانته يشكون احتباس أرزاقهم : ( من صبر في الشدة شارك في النعمة، وتوقيع المنصور على شكوى لأهل الكوفة من عاملهم ”كما تكونون يؤمَّر عليكم” وتوقيع المهدي لشاعر : (أسرفت في مديحك فقصَّرنا في حبائك) وتوقيع الرشيد على رسالة لوالي خراسان : (داو جرحك لا يتسع) وتوقيع المأمون على قصة متظلم : (ليس بين الحق والباطل قرابة) . ولعل وزيراً لم يبرع في التوقيعات براعة جعفر بن يحيى البرمكي (وكان إذا وقَّع نُسِخَتْ توقيعاته وتدورست بلاغاته) وحكي على بن عيسى بن يزدانيروذ أنه جلس للمظالم فوقَّع في ألف قصة ونيف ، ثم أُخرجت فعُضت على العمال والقضاة والكُتَّاب وكتّاب الدواوين فما وُجد فيها شيء مكرر ولا شيء يخالف الحق ، وقال ابن خلدون : (كان جعفر بن يحيى يوقَّع في القصص بين

  35. يدي الرشيد ويرمي بالقصة إلى صاحبها ، فكانت توقيعاته يتنافس البلغاء في تحصيلها للوقوف فيها على أساليب البلاغة وفنونها ، حتى قيل إنها كانت تباع كل قصة منها بدينار) ومما رواه له الجهشياري من توقيعاته توقيعه على رقعة لمجبوس متظلم من حبسه : ( العدوان أَوْبقَة ، والتوبة تُطْلقه ) وتوقيعه على كتاب لعلي بن عيسى ابن ماهان يعتذر فيه عن أشياء بلغته عنه : حُبِّب إلينا الوفاء الذي أبغضته ، وبُغِّض الغدر الذي أحببته ، فما جزاء الأيام أن تحسن ظنك بها وقد رأيت غّدراتهاووقعاتها عياناً وإخباراً ) واشتهر الفضل بن سهل ذو الرياستين بتوقيعاته البليغة المحكمة فمن ذلك توقيعه على قصة مظلوم (كفى بالله للمظلوم ناصراً) وتوقيعه على كتاب لتميم بن خزيمة بن خازم : (الأمور بتمامها والأعمال بخواتيمها والصنائع باستدامتها ، وإلى الغاية جَرْىُ الجواد ، فهناك كشفت الخبرة قناعَ الشك فحُمد السابق وذُمَّ الساقط) وكثيراً ما كانوا يوقعون بآية من الذكر الحكيم أو ببيت من الشعر أو بمثل من الأمثال. الرسائل الإخوانية والأدبية : نمت الرسائل الإخوانية في هذا العصر نموًّا واسعاً ، ونقصد الرسائل التي تصور عواطف الأفراد ومشاعرهم ،من رغبة ورهبة ومن مديح وهجاء ومن عتاب

  36. واعتذار واستعطاف،ومن تهنئة واستمناح ورثاء أو تعزية ، وكانت هذه العواطف تؤدَّي في العصر الأموي بالشعر ، وكان من النادر أن تؤدي بالنثر ، أما في هذا العصر فقد زاحم فيها النثر الشعر بمنكب ضخم ، وأتاح له ذلك أمران : أولاً : ظهور طبقة ممتازة من الكتَّاب الذين يجيدون فيه إجادة رائعة ، وخاصة من كان منهم يكتب في الدواوين ، إذ كانوا يأخذون أنفسهم بثقافة واسعة ، وكانوا يُعْنَوْنَ بتحبير كلامهم وتجويده وحَشْد كل ما يمكن فيه من عناية فنية على نحو ما مر بنا آنفاً . والأمر الثاني مرونة النثر ويُسْر تعابيره وقدرته على تصوير المعاني بجميع تفاريعها قدرة لا تتاح للشعر لارتباطه بقواعد موسيقية معقدة من وزن وقافية ، وقد طوَّع هؤلاء الكتاب الديوانيون أو السياسيون أساليبه ومرَّنوها على أن تحمل كثيراً من المعاني الجديدة غير المألوفة . وبذلك كله ثبت النثر للشعر في التعبير عن العواطف التي طالما عبَّر عنها ، بل لقد أظهر في ذلك طواعية لعلها لم تكن تتاح حتى لكبار الشعراء ، ومن أجل ذلك رأينا منهمك كثيرين يتخذون النثر أداة للتعبير عن مشاعرهم على نحو ما سنرى عند العَتَّابّي وأبي العتاهية وكأنهم وجدوا فيه يسراً في التعبير وفسحة لعرض بعض المعاني التي يلمُّون بها بجميع دقائقها مما لا يستطيع الشعر أداءه .

  37. المقامات المقامات الحرزية لبديع الزمان الهمذاني حدثنا عيسى بن هشام قال : لما بلغتْ بي الغربةُ بابَ الأبواب ، ورضيتُ من الغنيمة القُفول ، وقعدت من البحر وثَّابُ بغاربة ، ومن السفن عسّاف براكبه ، استخرتُ الله في سحابة تمد من الأمطار حبالاً ، وتحوذُ من الغيم جبالاً بريح ترسل الأمواج أزواجاً ، والامطار ولا عصمة غير الرجاء . وطويناها ليلة نابغية ، وأصبحنا نتباكى ونتشاكى ، وفينا رجل لا يخضلُّ جفنه ، ولا تبتل عينه ، رخىُّ الصدر منشرحه ، نشيط القلب فرحُه ، فعجبنا والله كل العجب . وقلنا له : ما الذي آمنك من العطب ؟ فقال : حرز لا يغرق صاحبه . ولو شئت أن أمنح كلاً منكم حرزاً لفعلت . فكلِّ رغب إليه ، وألح في المسألة عليه . فقال لن أفعل ذلك فنقدناه ما طلب ، ووعدناه ما خطب ، وآبت يده إلى جيبه فأخرج قطعة ديباج ، فيها حُقة وأحلَّتنا المدينة ، اقتضى الناس ما وعدوه ، فنقدوه . وانتهى الأمر إليَّ فقال دعوه فقلت لك ذلك ، بعد أن تعلمني سرَّ حالك . قال : أنا من بلاد الاسكندرية . فقلت : كيف نصرك الصبر وخَذَلنا ؟ فأنشأ يقول :

  38. ويْك لولا الصبر ما كُنْت ملأتُ الكيــس تبرا • لن يــنـال المجـــدَ من ضاق بما يخشــــــاه صدرا • ثم مـــــــــا أعقبني الساعة مـــــــــا أعطيتُ ضُرا • بــــــــل بـــــه أشــــــتد أزراً وبــــــــه أجبر كسرا • ولـــــو أنـي اليوم في الــغـرقـىلمــــا كلفت عــــــذرا • ومن المقامة البغدادية للحريري على لسان عجوز مستجدية: • اعلموا يا آمال ، وثمال الأرامل ، أني من سَرَوات القبائل ، وسَريَّات العقائل ، لم يَزل أهلي وبعلي يحلون الصَّدر ، ويسيرون القلب ، ويُمْضون الظهر ، ويولون اليد . فلما أردى الدهرُ الأعضاد ، وفَجَعَ بالجوارح الأكباد ، وانقلب ظهراً لبطن ، نبا الناظر ، وجفا الحاجب ، وذهَبَتِ العين ، وفقدت الراحة ، وصَلَد الزند ، ووَهَنَتِ اليمين . وضاع اليسار ، وبانت المرافق ، ولم يبق لنا ثنية ولا ناب . فمذ اغبَّر العيش الأخضر ، وازوَرَّ المحبوب الأصفر أسودَّ يومي الأبيض ، وأبيض فَوْدي الأسود ، حيث رثى لي العدو الأزرق ، فحبذا الموت الأحمر !

  39. المقامات وكتابها المقامة حكاية قصيرة أنيقة الأسلوب تشتمل على عظة أو ملحة . ومعنى المقامة في الأصل المقام أي موضوع القيام ، ثم توسعوا فيها فاستعملوها استعمال المجلس والمكان ، ثم كثرت حتى سموا الجالسين في المقام مقامة كما سموهم مجلساً إلى أن قيل لما يقام من خطبة أو عظة وما أَشبهها مقامة أو مجلس ، فيقال : مقامات الخطباء ، ومقامات القصاص ، ومقامات الزهاد : وقد نُشأ هذا النوع من القصص في أواسط الدولة العباسية وهو عهد الترف الأدبي والإنشاء الصناعي الأنيق . وقد أجاده بديع الزمان إجادة أحلته منه محل الزعيم . وليس الغرض من المقامة جمال القصص ولا حسن الوعظ ولا إفادة العلم ، وإنما هي قطعة أدبية فنية يقصد بها (الفن للفن) وتجمع شوارد اللغة ونوادر التركيب في أسلوب مسجوع أنيق الوشي يعجب أكثر مما يؤثر ، ويل أكثر مما يفيد . ولم تُراعَ قواعد الفن القصصي فيما كتب من هذا النوع ؛ فلم يعن كاتبو المقامات بتصوير الحكايات وتحليل الأشخاص ، وإنما صرفوا همهم إلى تحسين اللفظ وتزيينه .

  40. وتدور المقامة على حادث عادي يسند إلى شخص معين هو ما يسمى في اصطلاح الفن القصصي بالبطل ، كأبي زيد السروحي في مقامات الحريري ، وأبي الفتح الإسكندري في مقامات البديع ؛ وبين هذا البطل وبين رجل آخر صلة وثيقة ومعرفة قديمة ، فهو يراه في كل حادثة ، ويسمعه في كل مجلس ، ويفاجأ في كل سر . ثم يروى للناس ما عليه من خير أو شر . ذلك هو الراوي ، كعيسى بن هشام في مقامات البديع ، والحارث بن همام في مقامات الحريري . أما كتََّابها فقد علمت أن ابن دريد اخترع أربعين حديثاًَ عرضها عرضاً تصويرياً دقيقاً كانت الطور لنشوء المقامة ، ثم جاء بيدع الزمان الهمذاني المتوفى سنة (398هـ) فأملي أربعمائة مقامة في الكدية , غيرها نحلها أبا الفتح الإسكندري على لسان عيسى بن هشام ، ولم يعثروا منها إلا على ثلاث وخمسين مقامة ، وقد مضى الكلام عنها في ترجمته . ثم جاء بعده الحريري المتوفى سنة (516هـ ) فكتب خمسين مقامة نسبها إلى أبي زيد السروجي ، على لسان الحارث بن همام ، ونسجها على منوال البديع وقد تقدم القول فيها أيضاً . ثم عالج المقامات بعد هذين النابغين طائفة من

  41. الكتاب لم يدركوا شأوهما كالمقامات السُّر قَسْطية لابن الاشتركوني المتوفى سنة (358هـ) وهي خمسون مقامة أنشأها بقرطبة عند وقوفه على ما أنشأ الحريري بالبصرة ، وقد أتعب فيها خاطره وأسهر ناظره ولزم في نثرها لزوم ما لا يلزم ، وهي مشهورة والمقامات المسيحية لأبي العباس يحيى بن سعيد ابن ماري النصراني البطري الطبيب المتوفى (586هـ ) نسجها على منوال الحريري . ثم مقامات أحمد بن الأعظم الرازي وهي اثنتا عشرة مقامة كتبها سنة (630هـ ) وجعل الراوي فيها القعقاع بن زنباع وغيره ، والمقامات الزينية لزين الدين بن صيقل الجزري المتوفى سنة (701هـ ) وهي خمسون مقامة عارض بها المقامات الحريرية . نسبها إلى أبي نصر المصري وعزا روايتها إلى القاسم بن جريان الدمشقي . ثم مقامات السيوطي وهي بالرسائل أشبه منها بالمقامات .

  42. المصادر والمراجع : • بلاغة الكتاب في العصر العباسي • د / محمد نبيه حجاب . • تاريخ الأدب العربي / العصر العباسي • د / شوقي ضيف • تاريخ الأدب العربي / للمدارس الثانوية والعليا • أحمد حسن الزيات

More Related